من يدق الجرس في هذا الوقت المتأخر ، لعنة الله عليك ، أيقظتني من أحلي أحلامي ، بعد أن رأيت القمر مكتملا في هذه الليلة الجميلة فائقة الرومانسية
لأفتح الباب وأري هذا المتطفل ، أغلب الظن أنه عامل ديليفري وقد أخطأ العنوان ، فأنا آخر شخص ممكن أن يطلب ديليفري.
أفتح الباب لأري بصعوبة عجوزا نحيفا أصلع، يرتدي عوينات عتيقة أكل عليها الدهر وشرب ، مرتديا معطفا من الصوف فوق ملابسه فالجو قارس في ذلك الوقت .
- أي خدمة
- أسف علي إزعاجك في هذا الوقت المتأخر لكن هل رأيت مذؤوبا دخل شقتكم منذ قليل ؟؟
صرخت مندهشا - مذؤوب ؟؟؟؟؟؟؟؟
هل وصلت اوراق ماريجوانا وأقراص LSD إلي هذا الكهل حتي يتسلي عليّ في ذلك الوقت من الليل
- أي مذؤوب هذا ؟؟
- لقد كان في شقتي وهرب ، فالليلة موعد ظهوره ، أعتقد أنه تسلل إلي شقتكم من شباك المطبخ
- من أنت يا رجل ؟؟؟؟
- أنا جارك ألا تعرفني ، أنا الدكتور رفعت إسماعيل
هكذا تسلل إلي هذا الكهل ، طرق بابي بعد منتصف الليل ، ومن لحظتها لم أستطع إغلاق بابه ، تسرب إلي عقلي وكياني وشخصيتي ، ربما هو الكاهن الأخير الهارب من أرض النافاري باحثا عن حسناء المقبرة ، أو هو أحد الشاحبين الهاربين من دماء دراكيولا ، او هو من أفلت من لعنة أخيروم ليحقق نبوءة العراف وجاء ليلاعبني بأروراق التاروت.
إنه كل هؤلاء ...... إنه العم خالد توفيق الذي فرك مصباحه فأخرج لنا واحدة من أعظم رواياته مجسدا فيها شخصية الكهل رفعت إسماعيل .
ربما من طرق بابي هو الدكتور رفعت إسماعيل ، أما من تدحرج بين طيات عقلي ووصل إلي صميم أفكاري هو الدكتور أحمد خالد توفيق ، أو كما أحب أن أطلق عليه " العم خالد توفيق " .
كلماتي هذه ليست تعبيرا عن حبي وعشقي له ولكتاباته ، بل إعترافا وإقرارا بفضله عليّ أو ربما أرجع هذا الفضل للدكتور رفعت الذي جعلني أعشق القراءة بعدما كنت أمقتها ،هو من أدخلني إلي عالم الخيال ولعبة الزمن ، هو من علمني كيف ألعب بالألفاظ واحور الكلمات وأخفي المعاني ، علمني كيف أقتلع ثوب المباشرة السخيف وأراوغ باللغة ، فلغتنا تسمح بذلك وترحب به أشد الترحيب ، تسمح بالثراء ولا تسمح بالجفاء ، هكذا كانت وهكذا ستكون .
مازلت ألهث وراء كل رواية من روايات ما وراء الطبيعة ، كلما أجدمنها واحدة كأنني وجدت عينا في الربع الخالي ، لا أقرها بل أغرق فيها وأذوب في صفحاتها حتي أتلاشي ، ليس عشقا بالتحديد في أدب الرعب ، فأبدا لم أحس فيها بشىء من المغالاة ، بل دائما ما أحس فيها بواقعية شديدة ، واحترام لعقلية القارئ ، فرفعت إسماعيل ليس هو المدعو شارك هولمز أو جيمس بوند أو فريد شوقي حتي ، بل هو جاري غريب الأطوار الذي لا أفهم من أفعاله الغريبة الكثير .
إنها المرة الأولي التي أكتب فيها عم العم خالد توفيق ، ولن تكون الأخيرة ، فلي معه وقفات كثيرة دع الأيام تكتبها لا أنا .
وكما كان يختم كل رواية من رواياته بمقولة " ولكن هذه قصة أخري......... " سأختمها اليوم " ولكن هذا مقال آخر ......"