إننا فى شهر يناير ؟ ماذا يعني هذا الشهر في بلادنا ؟ الشتاء القارص ؟ أعياد الميلاد ؟ انتهاء الدور الاول من الدوري العام ؟ ذكرى الثورة لا قدّر الله ؟ لا ، فهناك حدث اهم من كل ما سبق يميز هذا الشهر ، إنها امتحانات منتصف العام بكل ما فيها من متاعب وهموم وآلالام ونفاق !
لكن ما دخل النفاق في امتحانات منتصف العام ؟ سؤال منطقي وإجابته أكثر منطقية ، إنها طبيعة التعليم المصري الفاشل والذي يبعث بروائحه الكريهة علي من يديرون العملية التعليمية والقائمين عليها " أو ربما العكس هو الذي يحدث ".
أتذكّر في امتحانات اللغة العربية علي وجه الخصوص قبل ان نترك مرحلة ما قبل الجامعة ، كان جهابذة الدروس الخصوصية ينقبون عن الاحداث الجارية ليضعوا عنها قطعاً نحوية وأمثلة لموضوعات التعبير الابداعي والوظيفي حتي يتسنى لهم نعت انفسهم بألقاب علي شاكلة " الامبراطور في تفسير الحنطور " و " تلميذ احمد عدوية برنس اللغة العربية " إلى آخر هذه الالقاب التي تخدع أولياء أمور الطلاب ليذهبوا إليهم راكعين خاشعين لطلباتهم التي لا تنتهي.
ويفترض ان ثمة ثورة او شيء من هذا القبيل قد حدثت في البلاد ، فما اروعها من مناسبة يبدع فيها الاساتذة العظام لوضع مثل هذه الموضوعات التعبيرية والقطع النحوية ، ولكن من المفترض ان تدور اغلب هذه الموضوعات حول نجاح الثورة وكيف كانت سلمية وكيف ابهرنا العالم "بشعار الجيش والشعب يد واحدة" وكيف قمنا بتنظيف الميدان بعد التنحي ، ولكننا رأينا ما هو أبشع من كل هذا ورأينا النفاق والرياء والكذب والتضليل علي عينك يا تاجر يُسمم به عقول شباب واطفال هذا الوطن ممّن يسمون انفسهم بالمعلمين .
فهذا يمتدح القوات المسلحة ويطلب ارسال شكر خاص لهم ، وهذا يلعن في الثوار وينعتهم بالمخربين ، وهذا يتحدث عن حزب الحرية والعدالة ونجاحه في الانتخابات !
الوحيد الذي رأيته يعالج الموضوع بشكل منهجي وعلمي هو هذا الاستاذ الذي طلب من التلاميذ التحدث عن ثورة يناير وذكر عيوبها ومميزاتها !
تباً ، هل تحولت الثورة إلى تليفون نوكيا 5200 ، أم غسالة صحون نبحث عن مميزاتها وعيوبها ؟! ما هي عيوب الثورة التي يمكن ان يتحدث عنها الطالب يا تري ؟ إن كان من مدمني مشاهدة التليفزيون المصري فبالتأكيد ستكون العيوب هي المظاهرات الفئوية ووقف عجلة الانتاج وغياب الامن و " فين أيامك يا مبارك " و " الاستقرار يا ولاد الــــ... " ناهيك عن خروج منتخب مصر من تصفيات الامم الافريقية 2012 . وعن ما تتميز به الثورة المصرية فيتمثل في حكم المجلس العسكري للبلاد وعودة الجنزوري للوزارة وإلغاء التوقيت الصيفي .
وفي هذه الحالة سوف يُعطى الطالب الدرجة النهائية عن موضوعه ، أما إذا تحدث عن أشياء تختلف عن هذه الاجابة النموذجة كذكره لتسليم السلطة او لاستمرار الفساد او للمحاكمات العسكرية او لسحل المتظاهرين وقتلهم برصاص العسكر ، فلن يُعطى الدرجة وحسب ، بل ربما يُرسل في رحلة سعيدة إلى السجن الحربي ليقضي فيه عطلة منتصف العام الدراسي !
إن العيب الرئيسي لهذه الثورة أنها مازالت تسمح لمثل هؤلاء الاشخاص بالعمل في أماكنهم وممارسة فسادهم ونفاقهم للحاكم أيا كان شكله او لونه او ادائه ؟
إن هذه الوقائع التي نتحدث عنها ما هي إلا نتاج طبيعي لفساد تعليم، ادي إلى فساد عقول فئات من الشعب ، وهذه الفئات لا تكتفي بفساد عقولها بل تريد إفساد عقول الآخرين ، ألا لعنة الله علي المفسدين الفاسدين !